كتب : أحمد الفزارى .
اتفاق بين رجل الدين ورجل الحكم على المبايعة للحاكم ولذريته حال نصرته للحركة
الحركة كانت فى حاجةلأن تتهم الناس بالبدع والخرافات والكفر لكى يكون هناك مسوغ لقيامها
تروى كتب السيرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يعرض نفسه على القبائل فى كل موسم مناشدا أهل النخوة من شيوخ القبائل أن يبذلوا له الحماية من اضطهاد قريش حتى يبلغ عن ربه وتروى كتب السيرة أن بنى عامر بن صعصعة وكانوا من أكبر قبائل نجد آنذاك عرضوا على الرسول ان يبذلوا له الحماية شريطة أن يكون لهم الأمر من بعده فأجابهم ” إن الأمر لله يضعه حيث يشاء ” فانصرفوا عنه كارهين أن يهدفوا صدورهم لسهام العرب دفاعا عنه ثم لا يكون الأمر لهم وظل الرسول على موقفه من عدم جعل الأمر من بعده ثمنا لنصرته حتى أكرمه الله بالأنصار فبايعوه على الإسلام دون رجاء فى مغنم دنيوى اكتفاء برضوان الله تعالى والجنة
ويجرى هذا على النقيض لما جرى فى الحركة الوهابية من اتفاق بين رجل الدين ورجل الحكم على المبايعة للحاكم ولذريته حال نصرته للحركة
ولما لجأ محمد بن عبد الوهاب إلى العينية طالبا نصرة اميرها عثمان بن معمر قال له : إنى أرجو إن أنت قمت بنصر لا إله إلا الله أن يظهرك الله وتملك نجدا وأعرابها وعلى هذا ناصره عثمان بن معمر
وتتبين الصفقة من الوهلة الأولى لرجل يريد نصرة دعوته ليؤسس بها مكانة وسلطانا فى بلاد هى بحسب الأصل بلاد إسلامية وأهلها مسلمون ولا يحتاجون إلى الدعوة إلى دين الإسلام كما هو المنطق والبديهة . واما التذرع بالبدع التى أخرج بها ابن عبد الوهاب الناس عن ملتهم فما كانت إلا ذريعة لدعوته وإلا لما كان هناك مسوغ لقيام هذه الدعوة.
ولو كان المقصود كما تدعى الحركة تنقية الدين من البدع والشرك فقد كان أدعى إلى أن يتبع محمد بن عبد الوهاب سنة الرسول صلى الله عليه وسلم حين رفض أن تتوفر له الحماية مقابل أن يكون الأمر بعده لمن يوفر هذه الحماية كما تذكر كتب السيرة
غير أن الأمور لم تسر على حسب ما خطط لها محمد بن عبد الوهاب وبأمر من أمير الاحساء سليمان آل محمد أمر عثمان بن معمر بحمل ابن عبد الوهاب بمبارحة العينية متخليا عن نصرته حرصا على بقاء نفوذه الذى بات مهددا بغضب أمير الاحساء
وإلى الدرعية كانت هجرة محمد بن عبد الوهاب للمرة الثانية وكان لقاؤه مع أميرها محمد بن سعودعام 1157 ه حيث دعاه الشيخ إلى نصرة دعوة التوحيد مرغبا إياه بقوله” أنت ترى نجد كلها وأقطارها اطبقت على الشرك والجهل . والفرقة والاختلاف والقتال لبعضهم البعض فأرجو أن تكون إماما يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك فبايعه محمد بن سعود بن مقرن على ذلك “وعلى أن الشيخ لا يرغب عنه إن أظهره الله وألا يتعرضه فيما يأخذه من أهل الدرعية مثل الذى كان يأخذه رؤساء البلدان على رعاياهم”
وهذه صفقة أخرى على غرار الصفقة الاولى التى أبرمها محمد بن عبد الوهاب مع عثمان بن معمر أمير العينية وهذه المرة يتلمس مؤسس الحركة الوهابية النقاط المشتركة بين طموحة فى أن يكون قائدا لحركة دينية كبيرة تكون ظهيرة لحكم يشمل الجزيرة وبين طموح محمد بن سعود فى تأسيس مملكة عظيمة له ولذريته وإن أخفق بن عبد الوهاب فى اتفاقه مع عثمان بن معمر فقد حالفه التوفيق مع محمد بن سعود واستطاع أن يضع يده على وتر المصالح المشتركة.
وعلى أية حال فما كان لمحمد بن عبد الوهاب أن يقدم حركته للناس دون سند من الأمراء. لأن ذلك كان سيجره إلى صراع مرير معهم وسينتهى بخسارة حتمية له ،كان يدركها بالتأكيد ، ومن ناحية أخرى فإن الجمهور الذى كان يتهمه بن عبد الوهاب بالبدع والخرافات والردة بطبيعة الحال كان ضده وكان هو يحتاج لنفوذ الأمراء لكبح حركة الجمهور وهنا يتبين أن الحركة قامت على أساس غير جماهيرى وغير شعبى وهو التزاوج بين السلطة وبين دعوة الحركة
وكان دهام بن دواس أمير الرياض كان قد ارتضى دعوة محمد بن عبد الوهاب وبايع عليها 1167 ه إلا أنه لما وجد نفسه حيال إقرار بالزعامة لابن سعود وإلا فهو مرتد من أهل النار استنكر ذلك قائلا ” ومن هو ابن مقرن ليحمل مفاتيح الجنة وينذر الناس بالنار”
وهنا يظهر التكفير كأساس ومرتكز ترتكز عيه الحركة لتصفية معارضيها با تهامهم بالكفر والردة لمن يرفض الانصياع لحكم حلفائها الذين اعتبروا عاملا اساسيا فى إنجاح الحركة هم وذريتهم .
والحاصل أن الحركة كانت فى حاجة تتهم الناس بالبدع والخرافات والكفر لكى يكون هناك مسوغ لقيامها فى مجتمع مسلم اصلا فلو لم يكن الأمر كذلك فلماذا تقوم الحركة وما هى المسوغات التى تسوغ حمل السلاح والقتال الذى صاحب الحركة وبهذا فإن البعد العقائدى قد أخذ دوره فى الصراع القائم فى هذا المجتمع على المستويين العام والخاص فأما العام فهو تكفير المجتمع لتكون هناك ذريعة للإمساك بزمام الحكم لإعادته إلى العقيدة السليمة وأما الخاص فالحكم بكفر وردة من ينكص يتوانى من الأمراء عن تأييد الحركة.